في حقيقة الأمر؛ هنالك طرق متعددة للتربح من “المحتوى الرقمي”، لكن قد يكون أشهر نموذج معمول به هو الإعلانات الرقمية، وقد سهلت المنصات المتخصصة التي تعمل كوسيط بين الطرفين -مثل قوقل أدسنس- على صناع المحتوى كباراً كانوا أم صغار، سهلت عليهم الاستفادة والتربح عبر هذا النموذج الذي يضمن إيصال المعلومة بالمجان (أو مقابل جزء من وقت المشاهد أو القارئ)، ويضمن تحفيز صانع المحتوى للاستمرار في عمله.
النموذج الآخر المعروف، هو تقديم محتوى -أو خدمات رقمية- بمقابل مادي، من يدفع يحصل على الفائدة، مثل تقديم المحتوى التعليمي المتخصص عبر منصات التعلم المعروفة (مثل: يودمي و سكِل شير).
وبين هاذين النموذجين هنالك نموذجٌ آخر ظهر في السنوات القليلة الماضية، ربما يعتقد البعض أنه نموذج غريب وغير منطقي، في حين أن مؤسس منصة “بِتريون” يقول أن هذا هو الوضع الطبيعي، وأن نموذج الاحتكار وبيع المعلومة هو الغريب والدخيل، ويقول أيضاً أن نموذج التربح من خلال الإعلانات ليس هو الأمثل، كما عبر عن ذلك في مقالته المنشورة: Membership: The Future for Creators
لكن ما هي منصة “بتريون” أو “Patreon” وكيف أصبح ذكرها شائعاً بين “اليوتيوبرز” على وجه الخصوص؟
ماهي منصة “بَتريون”
هي منصة للعضوية تسمح لصناع المحتوى (أصحاب قنوات اليوتيوب على وجه الخصوص) وكذلك الفنانين والعازفين وغيرهم من الأشخاص الذين لا يحصلون -ربما- على عوائد مالية مرضية لقاء ما يقومون به من إنتاج إبداعي، تسمح لهم بجمع الدعم المالي من المتابعين والمستفيدين من إنتاجهم.
لا بد وأنك قد سمعت في أحد الفيديوهات وصاحب القناة يتحدث عن حسابه في “بتريون”، يدعوك لدعم القناة ودعم إنتاج المحتوى، ويترك لك رابط صفحته في تلك المنصة تحت الفيديو، فإذا قمت بالنقر على الرابط وذهبت لتلك الصفحة ففي الغالب ستجد عدة مستويات للدعم، يمكن أن تدعم القناة بدولار أو دولارين شهرياً، ويمكن أن تدعمها بعشرين أو خمسين دولاراً، حسب ما يحدده صانع المحتوى.
لكن ماذا تحصل أنت مقابل هذا المال الذي تدفعه؟ ربما تحصل على بعض الميزات والفوائد، مثل ذكر اسمك نهاية الفيديو أو في الموقع الرسمي، أو ربما محتوى خاص أو بث مباشر أو تقديم استشارات أو أي شيء آخر يحدده صاحب الحساب، وربما لا تحصل على أية عوائد، بل تساهم فقط في أن يكون ذلك المحتوى المفيد متاحاً للجميع بالمجان.
نموذج: إدعم أنت ليستفيد الجميع
النموذج الأصلي الذي تطرح منصة بتريون: هو أن الدعم المادي يكون اختياري ممن يمتلك المال، في حين أن الجميع يستفيد من ذلك الإنتاج وليس فقط من يدفع المال، وهذا النموذج يوفر لنا أفضل استفادة ومنفعه تعود للمجتمع بأكمله.
في ما يخص الداعم: لن يختلف الأمر عليه، فلو كان ذلك المحتوى -المقدم بجودة عالية- بمقابل مادي، لكان استفاد منه هو فقط، أما في هذا النموذج فهو يستفيد منه ويفيد الآخرين الغير قادرين على دفع المال، وكأنه يشتري العلم ثم يساهم في نشره، يكسب الأجر ويساهم في نفع المجتمع.
وفيما يخص صانع المحتوى: فهو أيضاً مستفيد، سوف يقدم محتوى جيد وخالي من الاعلانات ويكسب مقابل ذلك بعض المال عبر هذا النموذج، لن يكون مشغولاً ببناء نموذج ربحي وتهيئة منصة دفع واستقبال للأموال وغيرها من الأمور التقنية المعقدة، فموقع بتريون سيتكفل بكل شيء ثم يخصم عمولته الصغيرة ويرسل المبلغ إلى حساب الشخص عبر بايبال أو أي وسيلة أخرى يدعمها الموقع.
التحرر من ضيق الإعلانات
يكفي أن تكون حسنة هذا النموذج أنها وفرت حل جيد لمشكلة تؤرق البعض من صناع المحتوى، وهي معظلة “الترويج للمجهول” التي أفردنا لها مقالة منفصلة سابقاً، حيث أن صاحب القناة لا يمكنه التحكم الكامل بنوعية الإعلانات التي تظهر في قناته ووسط فيديوهاته، وربما روّج لمنتجات لا تتوافق مع معتقداته أو أخلاقه وهو لا يدري.
هنالك من الأشخاص من أرقتهم هذه المشكلة وتسببت في نهاية المطاف لأن يتخلوا عن الإعلانات وعن عوائدها المالية بالكلية، واستبدلوا الأمر بفتح باب الدعم عبر “بتريون”، منهم الأخ علي محمد علي و الأخ كريم اسماعيل و غيرهم.
إن هذا النموذج الذي يمكننا تسميته بالـ “الدعم الاختياري” قد قدم لنا حلاً وسطاً وطريقاً آخر يمكن لصانع المحتوى أن يسلكه ويحقق لنفسه الدخل المالي الذي يضمن له البقاء والاستمرار في إنتاج المحتوى المفيد والنافع، وحين نقول (المفيد) فنحن نعي ما نقول، لأن هذا النموذج من الصعب أن يُطبق على محتوى تافه أو بلا قيمة، فمن سيدفع المال مقابل فيديوهات لا تفيده بل تضيع وقته.
بتريون في العالم العربي
هنالك مشكلة تحول بين هذا النموذج وبين انتشاره في العالم العربي، إنها مشكلة حلول الدفع الإلكتروني، على عكس بعض المجتمعات الأجنبية التي أصبحت بطاقات الدفع الآلي من ضروريات الحياة، فقد تجد بعض أو كثير من المتابعين ممن يريدون دعم هذه القناة أو تلك، لكنهم لا يملكون بطاقة بنكية أو دفع مسبق، وهذه أحد أسباب ضعف التواجد العربي على هذه المنصة.
هنالك قنوات يوتيوب أجنبية تكسب أكثر من 10 آلاف دولار في الشهر عبر منصة بتريون (مثل قناة Extra History المهتمة بالتاريخ) والكثير من القنوات الأجنبية التي تكسب آلاف الدولارات، وحتى بعض صناع المحتوى النصي أو حتى من يقدمون البث الحي للألعاب عبر منصة “تويتش”.
أما فيما يتعلق بالتواجد العربي في “بَتريون” فلا يزال ضعيفاً، ولا يزال الداعمون العرب غير مستعدين لإنفاق بعض المال لدعم صناع المحتوى المميزين، ففي أحسن الأحوال قد يكسب صانع المحتوى العربي عدة مئات من الدولارات شهرياً (مثل قناة أخضر)، وهنالك من القنوات التي تجاوز عدد مشتركيها المليون عضو ولا تكاد تحصل على 100 دولار شهرياًَ (مثل قناة دروس أونلاين).
لا يكمن سبب المشكلة في جهة المستفيدين فقط، بل في جهة صناع المحتوى كذلك، فالكثير منهم لا يقدم مغريات وحوافز حقيقية تشجع المستفيد للدفع والدعم، فكلمات الشكر والثناء أو نشر الأسماء نهاية الفيديو ليس بالأمر الكافي، ربما يحتاج صانع المحتوى لبذل جهد أكبر في التفكير والخروج بحوافز حقيقية تهم المتابعين ويشعرون معها بالقيمة الحقيقية التي يحصلون عليها، ففي نهاية المطاف؛ الإنسان هو مخلوق نفعي يبحث عن مصلحته الشخصية وينجذب لما فيه المنفعة المتبادلة (win-win).
ختاماً …
ليست منصة “بتريون” سوى أداة تساهم في إنتاج محتوى أكثر جودة وأعظم نفعاً، فالعمل في صناعة المحتوى الجيد يأخذ من الجهد والوقت الشيء الكثير، وبدون الحصول على عائد مالي مرضي؛ يمكن بسهولة أن يستسلم صانع المحتوى ويلتفت لعمله الآخر الذي يوفر له مصاريف حياته اليومية، وكم من قناة يوتيوبية أو مدونة إلكترونية هُجرت منذ زمن رغم مافيها من فوائد ونوادر، وكما قيل سابقاً: المال عصبُ الحياة.
التدوينة نموذج “بتريون” كحل ثالث للتربح من المحتوى الرقمي ظهرت أولاً على عالم التقنية.
0 تعليقات